تمثّل الشراكة الوطنية مطلباً شعبياً وهدفاً سياسياً يستمد شرعيته من واقع الاستئثار الفردي وعصبياته بالسلطة والثروة, وإقصاء شركاء الوطن وإلغاء كل حق لهم في المسئولية والواجب, غير أن الشراكة الوطنية تصبح فخاً ينزلق بها إلى تقاسم السلطة وتوزيع الحصص بين الشركاء.
تقوم سلطة الاستئثار الفردي وعصبياته على أساس تصور السلطة غنيمة للقابضين عليها وملكية محتكرة لولاتها, لذلك يتصرفون بها بسلطة متحررة من الضوابط التنظيمية, ومن الرقابة والمساءلة والمحاسبة, وهو ما يكون عليه حال التقاسم عند توسع سلطة الاستئثار بين شركاء يتعاملون مع حصتهم بالسلطة كملكية لهم ونصيب يخصهم وحدهم ويعفيهم من الرقابة والمساءلة والمحاسبة على التصرّف والنتائج.
تتحقق الشراكة الوطنية عندما تقوم على أساس أن السلطة والثروة حق لجميع الشعب, ثم تنظم ممارسة هذا الحق في مؤسسات عامة مفتوحة للولاية والإدارة ومحكومة بالرقابة والمساءلة, بحيث لا تكون ملكاً لفرد أو جهة, أو حكراً لأحد دون الآخر, وفي حال ولايتها وإدارتها من شخص أو جهة تبقى حقاً لغيره في البنية والوظائف, أي أن السلطة والثروة أو جزءاً منهما قائمة على النظام ومحكومة بالقانون ومحررة من التملك والاستئثار.. فالسلطة الأمنية مثلاً, قد تكون ولايتها حقاً لفرد أو حزب, لكنها ملك الجميع في البنية والوظائف, ولا ينبغي التصرف بها كملكية خاصة بالفرد أو الحزب, كما لا تمارس وظائفها على أساس انتمائها للفرد وولائها للحزب, فهي سلطة محكومة بالقانون, وحاكمة به على كل الناس, وقس عليها سلطات العدل والدفاع والخدمة المدنية والإعلام والتعليم وكل مجالات الإدارة والتنمية والعمل والإنتاج والوظائف والأجور.
تقتضي الشراكة الوطنية التزاماً بالنظام وخضوعاً للهيئات المؤسسية, وتحكيماً للقضاء في فصل الخلاف, فلا تعني الشراكة الوطنية في السلطة نقضاً للمؤسسات ولا هدماً للنظم واللوائح, خصوصاً في التراتبية الهرمية للسلطة وما تمثّله رئاسة الجمهورية من سيادة سياسية للوطن والشعب في الداخل والخارج, فأولاً تنظم الرئاسة في إطار مؤسسي خاضع للرقابة والمساءلة القانونية والمحاسبة القضائية العادلة, ولا تعني الشراكة أبداً منازعة هذه السلطة السيادية بين الشركاء, إذ تسقط السلطة هنا لصالح قوى متنازعة ومتمردة على الالتزام القانوني للمؤسسات, كما أن الشراكة الوطنية تتحقق بوحدة المؤسسة الدفاعية, وحيادها تجاه الجميع, بعيداً عن توزّعها إقطاعيات وحصصاً بين الشركاء.
albadeel.c@gmail.com