هاتفني البارحة الزميل صالح الحميدي الذي خاض عدة عمليات في كبده؛ كان يضحك ويوزّع الأمل، كانت كلماته الواثقة بالقدر وبحب الناس تصل القاهرة بصنعاء بمسافة من روح الزمالة والامتنان للإنسان كإنسان كوننا اتفقنا منذ زمن بعيد على أن الإنسان هو وسيلة الحياة وغايتها؛ في غضون ذلك ميّزت الشرخ والجفاف الرهيب الذي طرأ على صوته ولي منه عدة سنوات منذ قرّر الانتقال إلى القاهرة للمتابعة العلاجية والعيش والعمل في آن واحد، صوته الذي كان يتميّز بالتدفق والتلقائية دائماً.
مضت دقائق من المكابرة الحميدية المعهودة، فضلاً عن الضحكات والرجاءات المشتركة، وكلما تذكّرت ضحكة صالح الحميدي؛ وهو المتميّز بشخصيته البشوشة والسموحة المقبلة على الحياة واللا مبالية بالمنغصات - خصوصاً وهو حالياً في عز تدهور صحته إلى حد فظيع - يتفاقم وجعي وألعن الحظوظ التي تقود أهل الطيبة إلى الوجع وأهل الشر إلى الرغد.
على أن ما يهزّني في حالة صالح الحميدي هو أنه مازال يقاوم ويتشبّث بالصداقات النقيّة، وبالرغم من النكران والجحود الذي قوبل به؛ إلا أنه مازال متعالياً وصبوراً على وطن النكران والجحود، وطن الموت المجاني الذي نأمل أن يؤنّب ضميره ولو قليلاً كي لا يكون الفقدان الهبائي عنواننا الدائم المترسّخ الذي لا ينتهي.
قلبي مع ابن الحميدي في محنته الكبرى، وستستمر المحبّة أكثر ما تستطيعه قلوب الغرباء «المحبّة التي لا يملك المرء سواها في هذا الوطن مهما استمر في شراسته ولؤمه».
fathi_nasr@hotmail.com