تكشف سرعة الأحداث المتواترة في اليمن سقوط غشاوة الدعم الإيراني للحوثيين، حيث بدأت رائحة الوجود الإيراني تخرج للعلن بعد أن كان مواريا عن الأنظار، وبات هذا الدعم القائم على أساس مذهبي يتخذ مسارات وشعارات متعددة، ليغرق على إثره البلد الممزق في وحل الصراعات الطائفية، بعد أن عمدت جماعة الحوثي إلى خوض حرب بالوكالة لصالح طهران وهو ما أسهم في توسيع دائرة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
تبدو الصورة القاتمة في اليمن حاليا واضحة المعالم من خلال السعي الدؤوب لجماعة الحوثي إلى النيل من وحدة البلد وتنفيذ أجندات أجنبية تجهض مؤسسات الدولة وتنسف كيانها، وهو ما ساهم في تغذية حرب مفتوحة بين السلطة اليمنية والحوثيين تدور رحاها في مدن وقرى يمنية عدة من صعدة في أقصى الشمال الغربي، وصولا إلى محافظة عمران شمال صنعاء، وغيرها من المدن الحاضنة للتمدد الحوثي.
هذه السياسة الحوثية الرامية إلى فرض نفسها بقوة السلاح واختراق حواجز الدولة، يرى مراقبون أنها وليدة دعم إيراني واضح في إطار ما سُمي بمحاولة طهران استرجاع الهيمنة الفارسية الآفلة على المنطقة.
تؤكد التصريحات المتواترة للمسؤولين اليمنيين والقياديين السياسيين والعسكريين حول دعم طهران للتحرك الحوثي، أن الدور الإيراني في اليمن لم يعد منحصرا في الغرف المغلقة ومقتصرا على أجهزة الاستخبارات، بل تجسد بشكل علني عبر دعم الحوثيين وجعلهم مرآتهم الوحيدة داخل المشهد اليمني، وهو ما يبيّن جنوح طهران نحو تأجيج الصراع وجرّه إلى منحى طائفي ديني، قوامه نشر التشيّع ودعم الجماعات الشيعية بغية كسب رصيد جديد وعيون مُطيعة في حراكها المستمر لضرب استقرار المنطقة والهيمنة على العالم العربي والإسلامي. لذلك ترمي إيران بكل ثقلها السياسي والاستخباراتي إلى تقوية ساعد جماعة الحوثي وقلب موازين القوى فوق الأرض لصالحه.
إيران تتربص بأمن اليمن للتغلغل داخل أسوار المحيط الخليجي لتنفيذ مخططاتها الطائفية
يكشف الصراع الدائر حاليا في اليمن عن التطلعات التوسعية للجماعات الحوثية الموالية لإيران، والساعية إلى ترجمة الأطماع الفارسية والصفوية، في إقامة دولة شيعية في اليمن. لذلك فالوقود الصفوي الإيراني في اليمن له بُعد ديني طائفي ليس بمعزل عن سياقه التاريخي، فالثورة “الخمينية” عام 1979 كانت تحمل أهدافا وغايات دينية بحتة تتمثل في نشر مبادئها في البلدان العربية والإسلامية، وقد نجحت إيران في اختراق المذهب “الزيدي” في اليمن مستغلة تحسن علاقتها مع الدول العربية خلال فترة التسعينات من القرن العشرين، وبدأ بعض أتباع المذهب الزيدي من علماء وعوام الناس في التحول نحو المذهب الإثني عشري، ليكون ظهور جماعة الحوثي ثمرة هذا التوجه الجديد لدى بعض زيدية اليمن.
المتابع لخلفيات المشهد اليمني عن كثب يستطيع كشف النقاب عن مسألة على قدر كبير من الأهمية تتمثل في خصوصية الدعم الإيراني للحوثيين، الذي يرتكز على كافة أنواع التسليح، حيث سعت طهران منذ دخولها حلبة التحالف مع الحوثيين إلى تزويد حلفائها بالأسلحة والعتاد إلى جانب تخصيص معسكرات تدريب تشرف عليها بنفسها، وفيها يتدرب حوثيون وانفصاليون على استخدام الأسلحة المختلفة على أيدي مدربين من الحرس الثوري الإيراني.
وهو ما يبيّن النزعة التخريبية التي تسعى إيران إلى تجسيدها لتحقيق مآربها الطائفية من بوابة الحوثيين التي توسعت أخيرا، مُحاولة الولوج إلى العاصمة صنعاء.
في خضم الحراك الكبير الذي يشهده اليمن، تسعى جماعة الحوثي إلى التسلل قدر المستطاع داخل مفاصل الدولة بمساعدة إيرانية
وفي هذا السياق تقول الكاتبة والخبيرة في الشأن اليمني وأمن الخليج، سوسن أبوحسين، إن أزمة الحوثيين تعتبر التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة اليمنية، فالحوثيون يحاولون استغلال ضعف الدولة والسيولة الأمنية وشبه انهيار مؤسسات الدولة وعدم اكتمال بناء الجيش الوطني من خلال تحركاتهم الأخيرة ووصولهم إلى مشارف العاصمة صنعاء.
ولا تتورع جماعة الحوثي في البوح بأنها تريد رد الجميل لإيران عبر إظهار الولاء التام لها، حيث تنتهج الجماعة سياسة المقايضة تجاه السلطة اليمنية، حيث يطالب الحوثيون بفك أسر عناصر إيرانية محتجزة لدى وزارة الدفاع مقابل تقديم تنازلات في بعض القضايا المطروحة.
الصراع المحتدم بين الحوثيين وأنصار حزب الإصلاح (الإسلامي) يكشف المسعى الإيراني المتمثل في ضرب الوحدة الاجتماعية وإثارة النعرات الطافية، كما ينم على أن جماعة الحوثي لا تمثل سوى بيادق تحركها طهران وفق مصالحها على رقعة “سبأ” (الاسم القديم لليمن).
الدعم الإيراني للحوثيين لا يقتصر على الرغبة في تحقيق مصالح داخلية سواء كانت سياسية أو طائفية أو أمنية، بل لها أبعاد استراتيجية إقليمية تتمحور أساسا في محاولة إيران كسب ورقة ضغط جديدة في مواجهة دول الخليج، خاصة أن اليمن يمثل العمق الاستراتيجي والبشري لمنطقة الخليج عامة، والحديقة الخلفية للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص.
هذا التمدد الحوثي المدعوم بالأسلحة الثقيلة بات يمثل خطرا كبيرا يحدق بأمن دول الخليج، ويوحي بإمكانية تنفيذ إيران لأجندتها المعادية للملكة العربية السعودية في ظل إصرارها على مناصبة العداء للمملكة وعدم الرضوخ لمبادرات الصلح.
طهران ترمي بكل ثقلها السياسي والاستخباراتي لتقوية ساعد الحوثيين وقلب موازين القوى لصالحها
هاجس التوسع الحوثي في اليمن، سيجبر دول الخليج وعلى رأسها المملكة السعودية على وضع الخطوط الحمراء أمام التكلف الإيراني المفرط داخل المنطقة برمتها، خاصة وأن كل محاولاتها السابقة في ضرب استقرار دول الخليج باءت بالفشل وخرت منها خالية الوفاض.
وفي هذا الإطار يؤكد محمد عباس، الخبير في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تحركات الحوثيين الأخيرة وتفجر الصراعات هنا وهناك يأتي ضمن توجيهات إيرانية لزعزعة الاستقرار في اليمن، وأن الهدف من وراء ذلك إيجاد حالة من عدم الاستقرار في منطقة الخليج، للضغط على المملكة العربية السعودية وجذب الأنظار بعيدا عن المشهد السوري.
تربص إيران بأمن اليمن، يأتي ضمن سلسلة محاولاتها المستمرة للتغلغل داخل أسوار المحيط الخليجي، الذي فرض عليها عزلة إقليمية ودولية، وضعتها في مأزق حقيقي، على خلفية سياستها المجافية للتعددية السياسية والدينية والمذهبية.
وفي خضم الحراك الكبير الذي يشهده اليمن، تسعى جماعة الحوثي إلى التسلل قدر المستطاع داخل مفاصل الدولة بمساعدة إيرانية، مستغلة في ذلك ترهل المؤسستين الأمنية والعسكرية المنهكتين بفعل أهوال مخططات القاعدة التي تتخذ من اليمن مركزا لعملياتها، بالإضافة إلى محاولة حزب الإصلاح الإسلامي أخونة المجتمع.