تحذيرات العاهل السعودي من تنامي الظاهرة الإرهابية مرتبطة بما يجري في المنطقة من أحداث آنية خطرة مزعزعة للاستقرار، كما أنها امتداد لجهد سعودي أشمل متواصل في الزمن في محاربة التشدّد ومقاومة الإرهاب بالاستناد إلى المكانة السياسية والدينية للمملكة.
حذّر الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، من خطر التراخي في التصدي للظاهرة الإرهابية، مؤكّدا أنّ تبعات ذلك لن تقتصر على المنطقة العربية والشرق الأوسط التي تكتوي في الوقت الراهن أكثر من غيرها من المناطق بنيران الإرهاب.
كما ربط الملك عبدالله بين الإرهاب وما يجري في قطاع غزة من جرائم إسرائيلية بحق الفلسطينيين معتبرا إرهاب الدولة من أخطر أنواع الإرهاب.
وفي كلمة له توجّه بها أمس إلى الأمّتين العربية والإسلامية، والمجتمع الدولي، حرص العاهل السعودي على نفي ما تلبّس بالدين الإسلامي من مفاهيم سلبية بفعل سلوك طائفة من الغلاة والمتشددّين قائلا في كلمته: «من مهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية أدعو قادة وعلماء الأمة الإسلامية إلى أداء واجبهم تجاه الحقّ، جل جلاله، وأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنّه دين التطرف والكراهية والإرهاب، وأن يقـولوا كلمة الحقّ، وأن لا يخشوا في الحق لومة لائم، فأمتنا تمر اليوم بمرحلة تاريخية حرجة، وسيكـون التاريخ شاهدا على من كانوا الأداة التي استغلها الأعداء لتفريـق وتمزيق الأمة، وتشويه صورة الإسـلام النقية".
سيكون التاريخ شاهدا على من كانوا الأداة التي استغلها الأعداء لتمزيق الأمة وتشويه صورة الإسلام
كما تطرق العــاهل السعودي إلى ما يجري في قطاع غزة، قائــلا: «إلى جانب هذا كله نرى دماء أشقائنا في فلسطين تسفــك في مجازر جماعية، لم تستثن أحدا، وجرائم حرب ضــد الإنسانية دون وازع إنساني أو أخلاقي، حتى أصبحت للإرهاب أشكال مختلفة، سواء كان من جماعات أو منظمات، أو دول وهي الأخطر بإمكانياتها ونواياها ومكائدها، كل ذلك يحدث تحت سمع وبصــر المجتمع الدولي بكل مؤسّساته ومنظماته بمــا في ذلك منظمات حقوق الإنسان، هذا المجتمع الــذي لزم الصمت مراقبا ما يحدث في المنطقــة بأسرها، غير مكترث بما يجري، وكأنمــا ما يحدث أمر لا يعنيه، هذا الصمــت الذي ليس له أي تبرير، غيــر مدركــين بــأن ذلك سيؤدي إلى خروج جيل لا يـؤمن بغير العنف، رافضا السلام، ومؤمنا بصـراع الحضــارات لا بحوارهــا".
وذكّر الملك عبدالله في كلمته بجهود بلاده ومبادراتها في مقاومة التطرف والإرهاب، عبر التركيز على الجانب الفكري قائلا «أذكر من مكاني هذا أنّنا قد دعونا منذ عشر سنوات في مؤتمر الرياض إلى إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وقد حظي المقترح بتأييد العالم أجمع في حينه، وذلك بهدف التنسيق الأمثل بين الدول، لكنّنا أصبنا بخيبة أمل، بعد ذلك، بسبب عدم تفاعل المجتمع الدولي بشكل جدي مع هذه الفكرة، الأمر الذي أدى إلى عدم تفعيل المقترح بالشكل الذي كنا نعلّق عليه آمالا كبيرة".
وأضاف «واليوم نقول لكل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، إنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، والتي لم يسلم منها أحد».
وختم العاهل السعودي كلمته بالقول “اللهم إني قد بلّغت، اللهم فاشهد”، مستشهدا بالآية القرآنية «وسيعلمُ الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
ورغم أن كلمة الملك عبدالله جاءت وثيقة الصلة بالظرف الإقليمي الراهن، وما تشهده المنطقة من أحداث خطرة مزعزعة لاستقرارها، إلاّ أنه يمكن تصنيفها ضمن حملة واسعة تتزعّمها السعودية بما لها من مركز سياسي وديني للحدّ من الصعود اللافت للفكر المتطرّف، ومن بروز لجماعات العنف والإرهاب في عديد الساحات والبلدان العربية.
وتستند السعودية إلى تجربة واسعة في محاربة التشدّد، ليس فقط عبر العمل الأمني، ولكن أيضا، عبر العمل الفكري والدعوي الممنهج والذي يطبّق في ما يطلق عليه محلّيا «مناصحة» المغرّر بهم من قبل المتشددين خصوصا من فئة الشباب وإعادة إدماجهم في المجتمع عبر مراكز تأهيل متطوّرة معدّة للغرض.
وبالإضافة إلى ذلك الجهد المقاوم للتشدّد على صعيد فكري لم تُغفل السعودية إحكام منظومتها الأمنية والعسكرية، ومضاعفة إجراءاتها للتصدي لأي محاولة من جماعات إرهابية للتسرب إلى المملكة من الساحات الإقليمية الملتهبة.