المزاج الجديد السائد في المنطقة والمتميّز بالحزم تجاه كل من يحاول العبث بأمن الإقليم، يضع جماعة الحوثي المحتلّة لأجزاء واسعة من اليمن في مواجهة حتمية مع دول الخليج التي حاولت الجماعة، ومن خلفها إيران، استغلال ما بين بعض دولها من خلافات عابرة.
وضع البيان الختامي لقمّة دول مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت، الأسبوع الماضي، في العاصمة القطرية الدوحة جماعة أنصارالله الحوثية في مواجهة سياسية مباشرة مع دول الخليج، وذلك بعد فترة بدا خلالها أن المجموعة الخليجية منشغلة عن الوضع اليمني بملفات أخرى إقليمية وداخلية من بينها الحرب على الإرهاب وإتمام المصالحة بين قطر وبلدان من مجلس التعاون.
وعكست صرامة اللّهجة في توصيف بيان قمّة الدوحة للسلوك الحوثي في اليمن باعتباره احتلالا، المزاج الجديد السائد في المنطقة، وهو مزاج يتميّز بالحزم تجاه كل من يحاول العبث بأمن الإقليم، سواء كان دولا صغيرة أو جماعات منها ما يعتبر وكيلا لقوى خارجية على غرار جماعة الحوثي المتهمة من قبل أكثر من طرف بالولاء لإيران وبالعمل على تنفيذ مخططاتها في المنطقة.
وكان البيان الصادر عن القمّة قد “أدان استخدام العنف من قبل ميليشيا الحوثي واحتلالها للمدن اليمنية”، معتبرا تلك الممارسات “خروجا على الإرادة الوطنية وتعطيلا للعملية السياسية الانتقالية في البلد”.
كما دعا البيان الجماعة الحوثية إلى “الانسحاب الفوري من المدن التي احتلتها، وإعادة جميع المؤسسات والأسلحة التي نهبتها إلى الدولة”. كما حثّ “جميع الأطراف اليمنية على الالتزام بتسوية خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور ونبذ اللجوء إلى أعمال العنف لتحقيق أهداف سياسية”.
وعلّق مراقبون على فقرات البيان هذه على اعتبارها إنذارا واضحا وأخيرا لجماعة الحوثي، بأنّه سيتعيّن عليها في المستقبل القريب مواجهة إجراءات خليجية مختلفة ضدّها إذا لم تراجع سلوكها وتلقي سلاحها وتكيّف ذاتها كحركة سياسية سلمية.
وقال هؤلاء إنّ التعاطي الخليجي الجديد مع الوضع في اليمن هو جزء من نهج استراتيجي يشمل أوضاع المنطقة ككل وتعمل كل من السعودية والإمارات بجدّ وإصرار على إرسائه ويقوم على عدم السماح بأن تلعب قوى داخلية صغيرة أو خارجية كبيرة على التناقضات الخليجية من أجل زرع الفتن والصراعات.
وشرحوا أنّ المصالحة الأخيرة بين الإمارات والسعودية والبحرين، من جهة، مع قطر من جهة مقابلة، ليست سوى أحد عناصر تلك الاستراتيجية، لافتين إلى أن المصالحة المذكورة تمت على أساس شروط واضحة منعت الدوحة من التملّص من استحقاقات العمل الخليجي المشترك ومن ثم فتح المجال لتسرّب الخلافات والتناقضات إلى الصف الخليجي، وهو العامل الذي بدا خلال الفترة الماضية أن جماعة الحوثي، ومن خلفها إيران تحاول اللعب عليه لتوطيد سيطرتها بشكل كامل على اليمن.
ومن ضمن الأوراق التي تحاول جماعة أنصارالله توظيفها ما هو قائم من تقارب تقليدي بين سلطنة عمان وإيران، وكذلك الخطوط الدبلوماسية الكويتية المفتوحة مع طهران.
غير أنّ الموقف الجماعي الخليجي المعبّر عنه في بيان قمة الدوحة أظهر أنّ الورقتين غير قابلتين للتوظيف، وأنّ محاولة جماعة الحوثي الاستفادة منهما ناتج عن قراءة خاطئة أهملت الممانعة السعودية الإماراتية الشديدة لأن يتم توظيف أي علاقة جانبية لأي من الدول الخليجية مع إيران في ما يمكن أن يشكل تهديدا لأمن المنطقة واستقرارها. ويقوم الموقف الحوثي العام على العداء مع المملكة العربية السعودية الجار الأكبر لليمن، والتي يبني الحوثيون “مجدهم” على انتقاد دورها التاريخي هناك ويقولون إنّه كرس قوى الاستبداد، ومن ثم يحاولون تسويق احتلالهم للعاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي باعتباره “ثورة” لإنهاء حقبة من الهيمنة السعودية على البلد.
وسبق لجماعة الحوثي أن خاضت مواجهة مسلّحة ضد السعودية في منطقة جبل الدخان على الحدود بين المملكة واليمن.
وفي إطار محاولة اللعب على التناقضات الخليجية وتعميقها يحرص الحوثيون على التمييز في مواقفهم بين دول الخليج، حيث يجدون دولة كسلطنة عُمان ذات العلاقة المتميزة من حليفتهم الإقليمية الكبرى إيران الأقرب إليهم من بين دول مجلس التعاون ولذلك فضّلوها كوسيط لإطلاق سجناء إيرانيين ولبنانيين ويمنيين مدانين بتهريب السلاح للجماعة من إيران من سجن بعدن مقابل فك الحصار على مبنى المخابرات اليمنية أثناء اجتياح ميليشيا الجماعة للعاصمة في سبتمبر الماضي.
وبالإضافة إلى عُمان، يجد الحوثيون دولة الكويت قريبة إليهم أيضا لارتباطها بعلاقة محايدة مع إيران، إلاّ أن بقية دول الخليج لا تروق للحوثيين وفي المقدمة السعودية لدورها التاريخي والمؤثر في اليمن والذي ما يزال الحوثيون يتوجّسون منه ويخشونه، ثم البحرين بتأثير الأزمة مع المعارضة الشيعية المدعومة بدورها من إيران، والإمارات بسبب تصنيفها للحوثيين كجماعة إرهابية، وقطر -وإن بدرجة أقل- بسبب دعمها لجماعة الإخوان، ودورها في سوريا، حيث يتعاطف الحوثيون مع نظام بشار الأسد، إلاّ أنهم يحرصون على إبقاء الصلات معها نظرا لدورها في التوسط بين الحوثيين والدولة في حروب صعدة السابقة منذ 2004 حتى 2008.
وتملك المملكة السعودية منفردة أو مع دول الخليج الكثير من الأوراق التي يمكنها الضغط من خلالها على جماعة الحوثي المتهمة بالتحالف مع إيران في سيطرتها على اليمن، حيث تستطيع المملكة الضغط سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ولا يزال يمكنها التأثير داخل اليمن على الرغم من التوسع الحوثي السريع.