قال سفير واشنطن السابق في بغداد جيمس جيفري، في دراسةٍ نشرها على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال إنّه على الرغم من تحقيق بعض النجاحات ضدّ تنظيم “داعش”، والنصر السوريّ المدعوم من روسيا ضدّ قوّات التنظيم في تدمر، إلا أنّ سيطرته على مساحات من سوريّة والعراق بحجم بريطانيا لا تزال راسخة. وفي غضون ذلك، يرزح العراق تحت ضغط عسكريّ وماليّ وإرهابي، حيث تمّ حشد مئات آلاف القوّات لمحاربة التنظيم مع ضرورة تقديم العون لثلاثة ملايين شخص مهجّر بسببه.
وتابع أنّه في الوقت نفسه، يستمرّ التنظيم بالسيطرة على مناطق في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، من أفغانستان إلى نيجيريا، وهو قادر على ضرب أهداف في أوروبا، وربمًا أمريكا أيضًا. وبما أنّه لم يتبق لانتخابات الرئاسة الأمريكية سوى أشهر قليلة، فإنّ الحظوظ ضئيلة لنجاح التحالف في هزيمة “داعش” قبل انتخاب رئيس أمريكي جديد، ذلك التحالف الذي ترأسه واشنطن ضدّ التنظيم. وفي ظلّ هذه الظروف، قال جيفري، على الرئيس الأمريكي القادم أنْ يصبّ تركيزه على حقيقة أنّ السياسة الحالية ضدّ العدو الخطير الذي يشكل محور اختلالات في الشرق الأوسط لم تنجح بعد.
وحتى الآن، تجنّب مرشحوا الرئاسة الأمريكيون تقديم أي تعليق جدّي: إذ يختبئ الجمهوريون وراء الشعار المبهم ‘اقصفوهم’، بينما لم تقدّم هيلاري كلينتون، أي تفاصيل محدّدة حول كيف ستنفّذ قيادتها، المتمثلة بنبرة خطابية مباشرة، ضدّ التنظيم. ورأى أنّه بشكلٍ عامٍّ، هناك ثلاث استراتيجيات للاختيار منها وحالتان طارئتان للتحضير لهما. الخيار الأول هو الاستمرار في برنامج الإدارة الأمريكية الحالي ضدّ التنظيم، وتمّ طرح هذا الأمر في جواب من ثماني صفحات قدّمه الكونغرس في منتصف آذار(مارس). ويكمن هدف الإدارة الأمريكية في إضعاف التنظيم وهزيمته في النهاية. وأوضح: تعدّ هذه مقاربة منطقية، إلّا أنّ التنفيذ أبطأ بكثير من أنْ يعتبر ناجحًا، إذ لم يُعاد إرسال القوات الأمريكية إلى العراق من جديد سوى في حزيران (يونيو) 2014. بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن يبذل الرئيس أوباما جهوداً أكثرة قوة. وبالرغم من النجاحات الأخيرة التي حُقّقت في الرمادي، وفي محيط الموصل، ونجاح الهجمات ضدّ قادة التنظيم لم تُجِب هذه المقاربة على السؤال التالي: من أين ستأتي القوات البرية القادرة على التقدم ضدّ وحدات التنظيم المتغلغلة في مدن العراق وسوريّة؟
لا توجد ضمانة بأنّ هذه المقاربة ستجدي نفعًا لا مع الإدارة الأمريكية الحالية ولا مع تلك التي ستليها في الحكم. الخيار الثاني هو “إضافة بعض الدعم لذلك المقدّم من قبل إدارة أوباما”، وفقاً لهذا السيناريو، تستمر الولايات المتحدة بالحظر الذي فرضته على إرسال القوات البرية الأمريكية ولكن، تزيد بشكل كبير من دعمها الجوي والاستشاري للقوات المحلية، وينطوي ذلك على استخدام مكثف للمدفعية الأمريكية، وتقديم المشورة ونشر فرق المراقبة الجوية الأمامية على الجبهة، واستخدام مروحيات الهجوم الأمريكية، بالإضافةً إلى تكثيف الضربات الجوية وغارات القوات الخاصة بصورة أكبر، مع اعتماد قواعد اشتباك أكثر مرونةً.
أمّا الخيار الثلاث، برأي جيفري، فهو تحريك عدد محدد من القوات القتالية الأمريكية، أي ما يقارب كتيبتيْن، تضم كل منها 3000 إلى 4000 مقاتل، تدعمها قوات النخبة التابعة للدول الأعضاء الأخرى في “الناتو”، لتقود التحركات التي ستبقى تعتمد بشكل كبير على القوات المحلية في العمليات الفرعية. ويجيب هذا السيناريو على سؤال ‘أيّ قوّات برية سيتم استخدامها’، لا سيما وأنّ قوّات النخبة المؤلفة من 6000 عنصر أو أقل سبق وأنْ سجلّت انتصارات متكررة ضد التنظيم، الذي لديه قدرة محدودة على تحريك قواته المؤلفة من 20,000 مقاتل أو أكثر في المعركة. لكنّ هذه المسألة حساسة سياسيًا، أضاف، نظرًا إلى النفور العام في واشنطن من إرسال القوات البريّة الأمريكيّة إلى المعارك. ومع تبوأ رئيس أمريكيّ أكثر حزمًا و/ أو مع حصول المزيد من الهجمات الإرهابية، يمكن أنْ يصبح هذا الخيار قابلاً للتنفيذ.
إلا أن حالتين من حالات الطوارئ قد تؤثران على أيّ قرار الأولى هي حالة ‘اليوم التالي’، فمع استخدام قوات بريّة أمريكية أو بدونها، سيتعيّن على أي إدارة أمريكية أن تلعب دورًا أساسيًا على الصعيد السياسي والاقتصادي وربّما الأمني في تحقيق استقرار المناطق بعد هزيمة التنظيم. إلّا أنّ موقف الإدارة الأمريكية مبهم في هذا السياق، حيث تشير إلى عمليّة تقودها العراق في العراق واستناد أيّ حلّ في سوريّة على المفاوضات المطوّلة بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة. بيد، يتعيّن على الولايات المتحدة القيام بتخطيط أكبر بكثير، لا سيما إذا لا تريد أن تواجه وضعًا مشابهاً للذي حصل في ليبيا وإنما على مساحة أكبر. وكما يُظهر الانتصار الأخير ضد التنظيم في تدمر، ثمة إمكانية أنْ يحقق الهجوم الروسي-السوري-الإيراني مكاسب حقيقيةً ضدّ التنظيم في سوريّة. ولكن، أضاف جيفري، هذه ليست بمكاسب لا تشوبها شائبة. فدوافع روسيا في المنطقة، هي تعزيز نفوذها الإقليمي لمواجهة أمريكا، لذا فمحاربة “داعش” ليست هدفًا بحدّ ذاته بقدر ما هو وسيلة جديدة يستخدمها بوتين للضغط على واشنطن.
وخلُص إلى القول إذا لم تبدأ أمريكا بقصّ أجنحة هذا التنظيم والتخلص منه على وجه السرعة، فإنّ نصر روسيا وحلفائها ضدّه قد يشكّل تهديداً ليس أقل خطرًا من ذلك الذي يطرحه حاليًا “داعش”.
– “رأي اليوم”-