في تسجيل صوتي على موقع الدولة الإسلامية في العراق أوضح أبو عمر البغدادي عقيدة دولته في تسعة عشر بندا أخلصت لها “داعش”؛ أهمها:
“وجوب هدم وإزالة ما يسميه البغدادي مظاهر الشرك وتحريم وسائله (لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته).
الاحتكام إلى شرع الله وحده، العلمانية على اختلاف راياتها وتنوع مذاهبها كالقومية والوطنية والشيوعية والبعثية هي كفر بواح مناقض للإسلام مخرج من الملة.
في هذا التسجيل وضع أبو عمر البغدادي بكل أمانة دستور تنظيمه. ومنذ ذلك اليوم، أخلصت داعش لهذه القواعد في ممارساتها.
وكذلك فعل أبو محمد الجولاني المكلف من أبي بكر البغدادي. حيث استهدفت عملياته الأولى الجيش والشرطة دون تمييز. ودمرت جماعته أكثر من قطعة عسكرية للدفاع الجوي وكانت العمليات الانتحارية تتم على الطريقة العراقية. ولعل من المفيد التذكير بعمليات جبهة النصرة الأولى منذ قطع عنق تمثال أبي العلاء المعري وهدم الأضرحة وقتل الجنود السوريين بنفس الطريقة التي تحدث في العراق وقد دخلت جبهة النصرة مدينة معلولا ذات الأغلبية المسيحية قبل دخول داعش قره قوش في العراق.
كل التنظيمات الجهادية، بما فيها المحسوبة على الإخوان المسلمين، قامت بعمليات مشتركة أو شكلت غرفة عمليات مشتركة مع داعش
نذكر بهذه الوقائع للرد على من يبحث تحت المجهر عن فوارق بين قاعدة الظواهري وداعش البغدادي. ونود التذكير أيضا بأن كل التنظيمات الجهادية، بما فيها المحسوبة على الإخوان المسلمين قد قامت بعمليات مشتركة أو شكلت غرفة عمليات مشتركة أو قيادة عمليات مشتركة مع داعش في العراق كما في سوريا. وقد وثّق ثلاثة باحثين من المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان في دراسة داخلية بطلب من إحدى مؤسسات الأمم المتحدة لعدد هام من هذه العمليات. (…).
لم تكن الكيمياء السورية بسيطة على أطروحات داعش. خاصة وأن تنظيم القاعدة قد زرع أكثر من شتلة في حقول مختلفة. فقد احتل أكثر من “أفغاني سوري” مواقع مفصلية في “حركة أحرار الشام”.
وحافظ العديد من الشبكات الجهادية الدولية الأوروبية والآسيوية والأفريقية على صلة بالتنظيم الأم.
ولم تكن البحبوحة المالية لجبهة النصرة كافية لإعادة مضغ الخطاب الداعشي. الأمر الذي خلق كل الظروف المؤاتية لمواجهات بين التكفيريين والجهاديين على الأراضي السورية.
كان لدى تنظيم البغدادي شعور بالتفوق الإيديولوجي على نظرائه. لذا لم يكن يخشاهم أول الأمر.
وخاض معاركه الأكبر مع مجموعات الجيش الحر. ضاربا على وتر تبعيتهم للغرب وتركيا وقطر والسعودية وأن مشروعها يشكل الوجه الآخر للعلمانية الكافرة. وقد استثمر كنظرائه في جبهة النصرة وحركة أحرار الشام مظاهر الفساد المالي وسوء الإدارة والسرقات التي انتشرت في صفوف العديد من الكتائب المسلحة.
باشرت داعش حملتها العسكرية على كتائب الجيش الحر تحت راية “نفي الخبيث” متهمة إياه بخدمة “النظام النصيري العلماني الكافر في رفضها لإقامة الحكم الإسلامي الصحيح”.
وقد خاضت معارك عديدة مع الجيش الحر ساهمت خلالها في إضعافه حيث استهدفت معظم كتائبه. (…) وقد اتهم الجيش الحر داعش بالوقوف خلف الهجوم الذي استهدف مقاره ومنشآته بما فيها مخازن الأسلحة التابعة له عند معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا؛ كذلك مراكزه في الرقة ودير الزور وحلب وحماه، والقائمة طويلة.
من الضروري التذكير بأن المقاومة المدنية هي العدو الأول لتنظيم داعش. بل يعتبر أكثر من قيادي داعشي أن “المعارضة السلمية كفر بواح وأخطر من المشاركة في المهزلة السياسية في العراق”. وقد خصص أبو محمد العدناني، المتحدث باسم داعش، خطبة كاملة لدحض النضال السلمي تحت عنوان “السّلميّة دينُ مَنْ؟” يقول فيها: “إن أمتنا الغالية اليوم تعيش في عبودية وذل، والدليل على ذلك ما عُرف بثورات الربيع العربي التي خرجت تطالب بالحرية والكرامة.
إن جيوش الطواغيت قد أذلت المسلمين وجعلتهم عبيدا لقوانين وضعية شركية ظالمة، ولولا هذه الحقيقة المرة لما خرجت الشعوب بأياد عُزل تتحدى رصاص الطغيان والجبروت بصدور عارية عازمة على رفع الظلم وكسر قيود الذل. (…)
وينهي مداخلته بالقول: “ننصح أهل السنة عامة وفي مصر والعراق خاصة: بنبذ الدعوات السلمية، وحمل سلاح الجهاد في سبيل الله، لدفع الصائل من الجيش المصري والجيش الصفوي، فقد اتفق عقلاء البشر على دفع الصائل، فهل عقل الشيوعي الملحد أرجح من عقل شيخ الأزهر الخانع المسالم؟! وحتى الدجاجة تدفع الصائل عن فراخها! فهل الدجاجة أشجع منكم يا دعاة السلمية في مصر والعراق؟!“. من الضروري الإشارة إلى أننا لا نجد في كتابات ومداخلات أبي محمد العدناني كلمة واحدة عن “الجيش الإسرائيلي!”. إلا أن المعارك الأكثر شراسة كانت بين أصحاب “الكار” (الصنعة) “الإيديولوجي المشترك”. فقد أطلق تنظيم داعش على الجولاني اسم “الغدار”. لأنه “خان البيعة وباع الأمانة وأنكر الجميل”. وباشرت داعش عملية ترهيب وترغيب واسعة لاستقطاب المنتسبين لجبهة النصرة.