كشفت المواقف الغامضة بين طهران وواشنطن على خلفية قيام طائرات إيرانية بقصف أهداف تابعة لتنظيم داعش في العراق، عن استمرار الجانبين في اتباع سياسات تضامنية في الخفاء وتصعيد من حدة التصريحات في العلن.
ويعكس التنسيق بين الطرفين التوغل في سياسة “عدو عدوي صديقي” التي دأبا على انتهاجها على مدار السنوات الماضية إزاء أغلب الصراعات في الشرق الأوسط.
ويبدو أن الأميركيين والإيرانيين عادوا إلى صياغة واقع جديد في العراق يعتمد على التعاون التاريخي الذي جمع بينهما في أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر.
ويقول مراقبون إن الثلج بدأ يذوب بين واشنطن وطهران عقب إرسال أوباما رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي ينم فحواها عن رغبة ملحة تسيطر على البيت الأبيض للتوصل إلى اتفاق نهائي حول الملف النووي.
وقال دبلوماسيون غربيون إن الملف العراقي طرح أكثر من مرة على طاولة المفاوضات بين الجانبين، لكنهم نفوا أن تكون هناك أي إشارات حول تعاون عسكري وثيق.
لكن الإشارات واضحة حول تنسيق عالي المستوى مع بغداد، التي سبق أن طلبت مساعدة واشنطن وطهران في حرب داعش.
إيان بلاك: أميركا وإيران قسمتا العراق أمنيا بينهما
وقال حسين رسام، الخبير الإيراني، إن “العراقيين لا يكترثون كثيرا إن كان هناك تنسيق بين إيران والولايات المتحدة (في العراق) أم لا. كل ما تنتظره بغداد هو أن يعمل الإيرانيون مع الجيش العراقي”.
والوجود الإيراني في العراق ليس جديدا فقد أرسلت طهران مستشارين عسكريين إلى البلاد منذ بدء هجوم داعش في يونيو.
كما أرسلت بعضا من قوات النخبة إلى سامراء وبغداد وكربلاء لحماية المناطق الشيعية والمساعدة في تنظيم الميليشيات، بحسب المحلل فرزين نديمي في تقرير نشره معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى.
ويقول مراقبون إن طيارين إيرانيين يقودون مقاتلات روسية الصنع وضعتها طهران تحت تصرف بغداد قبل أشهر.
وحتى عندما كانت إيران تعكف على تدريب الميليشيات الشيعية على استهداف الجنود الأميركيين داخل العراق، لم يحدث اختراق واضح في الأجندة الضمنية حول المصالح المشتركة في هذا البلد بين الجانبين.
ويعود الإصرار على نفي وجود تنسيق في مواجهة داعش إلى عدة عوامل يراها مراقبون كافية لترسيخ الشعور بعدم الثقة، بين الطرفين على رأسها الملف السوري، لكن في العراق، تتفق وجهات النظر كثيرا، وهو ما عبر عنه إيان بلاك في مقال بـ“الغارديان”.
وقال بلاك محرر شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة البريطانية “الآن، وكما في السابق، لا يريد الأميركيون والإيرانيون أن يسقط العراق في هوة التقسيم الجغرافي، لذلك لجأ الطرفان إلى تقسيم البلاد أمنيا”.
وأضاف "الأمن وتدفق النفط في الجنوب الشيعي أوكل الى ايران، بينما تولت الولايات المتحدة التنسيق مع حلفائها السنة والأكراد في الشمال".