عملية مقتل مدرسة أميركية في العاصمة الإماراتية أبوظبي تعتبر حادثة معزولة في بلد يبقى الأكثر أمانا ضمن بلدان العالم.
- جريمة قتل مدرّسة أميركية في أبوظبي، وإن تظل حسب مراقبين حادثة معزولة في بلد آمن لا تتوفر في مجتمعه حاضنة للإرهاب، فإنّها في المقابل تضفي مشروعية على الخطوات الاستباقية التي تتّخذها الإمارات في مواجهة الظاهرة الإرهابية، وانخراطها في الجهد الدولي لمحاربتها.
تمكنت مصالح الأمن الإماراتية في وقت قياسي من توقيف “المنتقبة” المتورّطة في جريمة قتل المدرّسة الأميركية في مركز تجاري بأبوظبي.
وأعلن وزير الداخلية الإماراتي الشيخ سيف بن زايد آل نهيان أمس القبض على ما بات يعرف بـ”شبح الريم” وهي التسمية التي تحيل على لجوء المتهمة إلى مواراة ملامحها بشكل كامل تحت نقاب أثناء تنفيذها جريمتها بحق المدرّسة في حمّامات المركز التجاري الواقع بجزيرة الريم.
وكشف الوزير خلال مؤتمر صحفي عقده أمس بأبوظبي عن وجود خلفية إرهابية وراء الجريمة موضحا أن المنتقبة حاولت زرع قنبلة بدائية الصنع أمام منزل طبيب أميركي مقيم بالدولة نجحت الشرطة في تفكيكها قبل أن تؤدي الغرض الإجرامي من زرعها.
وبشأن بعض تفاصيل الجريمة الإرهابية التي جدّت الأحد الماضي بمركز تجاري بجزيرة الريم شرح وزير الداخلية الإماراتي الشيخ سيف بن زايد آل نهيان أنّ فرق الشرطة والأمن تمكّنت من إلقاء القبض على “المنتقبة” المشتبه بها في تنفيذ جريمة القتل التي ذهبت ضحيتها مدرّسة الأطفال الأميركية البالغة من العمر 47 سنة، موضّحا أنّ المتهمة انتقلت بعد تلك الجريمة البشعة إلى مبنى آخر يقع على كورنيش أبوظبي حيث زرعت قنبلة بدائية الصنع على باب منزل طبيب أميركي من أصل مصري وتمكّنت الشرطة من تفكيكها في الوقت المناسب.
وتابع في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمقر القيادة العامّة لشرطة أبوظبي قوله إن المشتبه بها -التي اعترفت باقترافها الجريمة- استهدفت ضحاياها لجنسيتهم فقط وليس لأي خلاف شخصي معهم وبهدف إثارة البلبلة وزعزعة الأمن وإرهاب الناس الآمنين في الإمارات، الأمر الذي استنفر الحكومة من أعلى الهرم وصولا إلى جميع المستويات، مؤكدا أن أوامر من قيادة البلاد صدرت “بوصل الليل بالنهار لضبط المشتبه بها التي استهترت بأمن الناس واستقرارهم واستهدفت أبرياء بأفعال إجرامية جبانة”.
ووصف الجريمة بكونها “ضربة لكل القيم الإنسانية النبيلة التي تتبناها الإمارات والمستمدة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وموروثنا العربي الأصيل”، مؤكدا أن الإمارات تدافع عن تلك القيم الحضارية خارج حدودها كما في داخلها.
واعتبر مراقبون سرعة الكشف عن ملابسات الجريمة والقبض على مرتكبتها في وقت وجيز دليلا على يقظة المصالح الأمنية الإماراتية وحزمها وتطوّر وسائلها في حفظ الأمن وتعقّب المجرمين سواء من ذوي الخلفيات الجنائية أو من يحاولون الانتظام في شبكات إرهابية. وقالوا إن تفكيك العبوة الناسفة قبل انفجارها حفظ أرواحا بريئة ومنع وقوع مزيد من الخسائر.
وعلّق مختصون في الشؤون الأمنية على حادثة “الريم” واصفين إياها بالمعزولة، ومؤكدين استنادا إلى معطيات موثقة ومدعومة بالأرقام أن دولة الإمارات تظل ضمن أكثر مناطق العالم أمانا، ليس فقط بفعل يقظة أجهزتها الأمنية وتطور أساليب عملها ووسائلها المادية، ولكن أيضا بفعل استقرارها السياسي والاجتماعي ورخائها الاقتصادي، واعتمادها نموذجا يقوم على التفتّح والوسطية والاعتدال ونبذ التطرّف، الأمر الذي يعسّر على الجماعات المتشدّدة تركيز خلايا لها على أرض الإمارات وإيجاد أتباع بين أبناء شعبها.
ورغم تلك المعطيات قال مراقبون إنّ جريمة الريم تعطي صدقية ووجاهة للخطوات الاستباقية الإماراتية في التصدّي للظاهرة الإرهابية وانخراط البلد بفعالية في الجهود الدولية لمحاربتها، ومن ذلك إحكام القوانين ذات الصلة بمحاربة الإرهاب، والمشاركة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش المتشدّد.
وحسب المراقبين فإنّ النجاح الإماراتي في مواجهة الظاهرة الإرهابية يجد بعض تفسيراته في اتّباع هذا البلد الخليجي منظورا شاملا للظاهرة وأسبابها ويبادر من ثمّة إلى معالجة جذورها.
وتدعو الإمارات بشكل متكرّر إلى التسوية بين مختلف حركات التشدّد وفروعها و”منظّريها” من أي اتجاه أو مذهب كانوا، كما تنبّه إلى أنّ بيئات الفقر والتهميش تمثّل تربة خصبة للتشدّد وما يرتبط به من إرهاب.
وتجّلى الشمول في منهج التعاطي الإماراتي مع الإرهاب مؤخّرا في قائمة للحركات الإرهابية أصدرتها الإمارات مؤخرا واتّسعت لتضمّ طيفا واسعا من الأطراف ذات العلاقة بالإرهاب عبر العالم تنظيرا وتمويلا وتنظيما وتنفيذا للأعمال والجرائم الإرهابية.
وفي نطاق ذات الخطوات الاستباقية في التصدي للإرهاب كانت دولة الإمارات قد بادرت قبل أشهر إلى إصدار قانون اتحادي لمكافحة الجرائم الإرهابية، في خطوة قال المتابعون للشأن الإماراتي إنها جاءت لتعزّز نهجا في مواجهة الإرهاب بقوّة القانون، كانت سارت فيه الدولة حين أوكلت إلى القضاء البتّ في شأن مورّطين مع جماعات وخلايا إرهابية آخرها خلية تابعة لتنظيم القاعدة كانت المحكمة الاتحادية الإماراتية العليا أصدرت أحكامها في حق عناصرها خلال شهر يونيو الماضي. ولم ينفصل ذلك، من جهة أخرى، عن السياق الإقليمي وما تشهده المنطقة من اضطراب ومن صعود لافت لجماعات العنف والإرهاب.
وتضمّن القانون الإماراتي لمكافحة الجرائم الإرهابية التنصيص على عقوبة الإعدام لمن انخرط في بعض تلك الجرائم ومن بينها تأسيس تنظيم إرهابي.