قتل الإخوان كواشي المشتبه بهما في اطلاق النار على مقر الصحيفة الفرنسية شارلي إيبدو بعد أن تولت قوات الشرطة أمس اقتحام المطبعة التي كانا يتحصنان بها.
وقال مصدر بالشرطة إن محتجز رهائن في حادث آخر بمتجر للأطعمة اليهودية في شرق باريس قتل بعد هجوم للشرطة هناك. ويعتقد ان محتجز الرهائن كانت له علاقة بنفس الجماعة الاسلامية التي ينتمي اليها الاخوان المشتبه بهما في حادث شارلي إبدو.
وأثار الهجوم على مقر الصحيفة مخاوف من وجود خلايا نائمة للجماعات المتطرفة تخطط لعمليات في بلدان أوروبية أخرى.
وتزامن هذا مع استعدادات أمنية أوروبية كبرى ودعوات إلى تنسيق أقوى ستحسم تفاصيله اجتماعات ثنائية وجماعية ينتظر أن تعقد خلال الأيام القادمة للتصدي لظاهرة المقاتلين العائدين من مواطن النزاع في الشرق الأوسط إلى بلدانهم في أوروبا.
وقال أندرو باركر رئيس جهاز المخابرات الداخلية البريطانية إن متشددي القاعدة في سوريا يخططون لشن هجمات توقع خسائر بشرية كبيرة في الغرب من المحتمل أن تستهدف شبكات النقل أو “أهدافا مهمة”.
وحذر باركر من أن احتمالات وقوع هجوم في المملكة المتحدة مرجحة للغاية.
وأضاف في خطاب عام نادر ألقاه في مقر الجهاز بلندن الليلة قبل الماضية “تخطط مجموعة من الإرهابيين المتمرسين التابعين للقاعدة في سوريا لهجمات ضد الغرب توقع خسائر هائلة”. وكان آخر خطاب عام يلقيه باركر في أكتوبر 2013.
وخلال الكلمة التي كانت مقررة قبل هجوم باريس، قال باركر إن متشددي القاعدة المحنكين في سوريا يستهدفون “إحداث خسائر بشرية على نطاق واسع غالبا عن طريق مهاجمة شبكات النقل أو أهداف مهمة”.
لكن أجهزة المخابرات في أوروبا والولايات المتحدة أبدت قلقها من ظهور متشددي القاعدة من باكستان في سوريا التي تعصف بها حرب أهلية، ويرى بعض محللي المخابرات أن ذلك يمكن أن يكون ضمن خطة لشن هجوم كبير ضد الغرب.
ويعكس تحذير باركر وهو من أبرز الشخصيات في المجتمع المخابراتي الغربي قلقا متزايدا بين الزعماء السياسيين في الغرب وحلفائهم العرب من التهديد الذي تمثله الجماعات المتشددة في سوريا والعراق.
وقالت مصادر لصحيفة “ايفنينغ ستاندرد” البريطانية إن باركر كان يشير إلى مجموعة خراسان المرتبطة بالقاعدة في سوريا.
وخراسان مجموعة متشددة تعمل ضمن وحدات جبهة النصرة، الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في بلاد الشام، لكن قيادتها تنكب بالدرجة الأولى على تحضير الخطط لتنفيذ هجمات في أوروبا والولايات المتحدة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول غربي كبير عن المجموعة، التي ذاع صيتها عندما تناولها الرئيس باراك أوباما في أحاديثه قبل بدء الضربات الجوية للتحالف الدولي في سوريا مباشرة.
ويعتقد على نطاق واسع أن المجموعة المتشددة تضم في صفوفها عددا كبيرا من المقاتلين الذين يحملون الجنسية البريطانية.
وتوصف خراسان بأنها مجموعة صغيرة تضم نحو خمسين مقاتلا بينهم متخصصون في صناعة المتفجرات وقادة كبار في تنظيم القاعدة انتقلوا إلى باكستان عقب الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001.
ويقول مسؤولون أميركيون إن المجموعة لم تُنقل إلى سوريا من أجل القتال ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد، لكنها هناك لـ”تطوير تكتيكات لشن هجمات خارجية، وصناعة واختبار العبوات الناسفة، وتجنيد مقاتلين أجانب لتنفيذ عمليات داخل بلدانهم”.
وقال باركر إن أعضاء الاستخبارات والشرطة البريطانية تمكنوا من إحباط ثلاثة مخططات لهجمات إرهابية خلال الأشهر الماضية، ولفت إلى زيادة حدة التهديدات الإرهابية، قائلا إن الأجهزة الأمنية ليس بإمكانها إحباط جميع المخططات الإرهابية.
وتشير أحدث تقديرات الاستخبارات إلى أن 600 بريطاني غادروا البلاد متوجهين إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم داعش.
واعتبر خبراء أن دولا مثل بريطانيا وفرنسا بدأتا مؤخرا في اتخاذ إجراءات لمواجهة ظاهرة السفر لأجل “الجهاد” ثم العودة إلى أوروبا، وأن ذلك بدأ بصفة جدية بعد هجوم على متحف يهودي في بروكسل نفذه فرنسي من أصل جزائري منذ أشهر.
ولفت الخبراء إلى أن الأوروبيين أدركوا متأخرا حجم ظاهرة العائدين، خاصة أن العناصر المتطرفة نجحت في الاستفادة من ثقافة التسامح للمزيد من الاستقطاب وإغراء الشباب بالهجرة إلى مواطن الصراع.
وحسب أرقام نشرتها السلطات الفرنسية، فإن حوالي 300 شاب فرنسي توجهوا إلى سوريا، وشاركوا في المعارك، فيما كشف المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف أن “أكثر من ألفي أوروبي ذهبوا أو يريدون الذهاب للقتال في سوريا”.
وحث الخبراء على عدم التقليل من حجم ظاهرة العائدين من مناطق الصراع، ذلك أنه “يوجد مقابل كل مقاتل في سوريا والعراق عشرة مؤيدين له في أوروبا”، مثلما أشار إلى ذلك الصحفي البلجيكي جوي فان فليردن المتخصص في الحركات المتطرفة.
وحذّروا من أن يكون الهجوم خطوة ضمن سلسلة من الخطوات العنيفة ضد مؤسسات تعبّر عن خصوصية الغرب وثقافته مثل الإعلام ودور السينما والمسارح.
لكنهم لفتوا إلى أن المعركة الناجعة في مواجهة التشدد لن تكون معركة سلاح، وأن الغرب مدعو إلى مراجعة خيار إغماض الأعين على الأنشطة ذات الصبغة الاجتماعية من خدمات وتعليم وجمعيات خيرية، وهي الأنشطة التي سهلت للمتشددين استقطاب الشباب وإرساله إلى الحروب.