عادت مسألة تمويل الجماعات الإرهابية لتطفو على السطح من جديد على ضوء المُتغيرات الهائلة التي تشهدها المنطقة العربية، وخاصة منطقتي شمال أفريقيا والساحل والصحراء الأفريقية في أعقاب التمدد الخطير لتنظيم داعش في ليبيا.
وألقت هذه المسألة التي تمثل الشاغل الأول لدول المنطقة، بظلال كثيفة على المقاربات الأمنية التي اتخذت، دون التوصل إلى حل واضح لتجفيف مصادر تمويل وموارد تلك التنظيمات الإرهابية التي كثفت من نشاطها بشكل لافت.
وفيما تستعد الجزائر لاستضافة اجتماع دولي اليوم الإثنين بمشاركة خبراء من عدة دول لبحث سبل تجفيف منابع تمويل الإرهاب وتجريم الفدية، كشف أحمد ميزاب، رئيس اللجنة الجزائرية الأفريقية للسلم والمصالحة (غير حكومية)، أن الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل الأفريقي جنت 220 مليون دولار خلال الفترة الممتدة بين 2013 ومطلع عام 2015.
وأوضح أن هذه الأموال كانت مقابل إطلاق سراح رهائن غربيين سبق لها أن اختطفتهم في وقت سابق، دون احتساب الأموال التي حصلت عليها من عمليات أخرى نفذتها في مناطق مختلفة من الجغرافيا الأفريقية.
وتابع "هذه الأموال تستغلها الجماعات الإرهابية في توسيع نشاطها عن طريق شراء السلاح وتجنيد عناصر جديدة وبالتالي خلق بؤر إرهاب جديدة في المنطقة".
ووفق نفس الخبير "دفع الفدة للمنظمات الإرهابية هو بمثابة تشجيع لها على الاستمرار في خطف الرهائن وكذا ضخ دم جديد في نشاطها وتقويتها".
بدرة قعلول: لابد من حزمة إجراءات فاعلة لتجفيف موارد تلك التنظيمات
ومن جهتها، قالت بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي التونسي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية إن الاجتماع المرتقب يأتي على وقع تزايد أخطار هذه المسألة التي يتعين تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهتها، ليس فقط من خلال تجريم الفدية، وإنما عبر سن قوانين واضحة تُساهم في تجفيف موارد تلك التنظيمات عبر حزمة من الإجراءات والتدابير الفاعلة.
واعتبرت أن المصدر الرئيسي لتمويل التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة المغرب العربي ودول الساحل والصحراء، هو التهريب بأشكاله المتنوعة، وخاصة السلاح والسجائر والمخدرات، حتى أن الإرهابي الجزائري مختار بلمختار بات يُعرف بأنه ملك تهريب سجائر المارلبورو.
وقالت ” إن التهريب ليس المصدر الوحيد لتمويل تلك التنظيمات الإرهابية لأنها تقوم أيضا بالاتجار بالبشر، وبتبييض الأموال، ولكن مصدر التمويل الأخطر يأتي من الخارج عبر شبكات تمويل تُشرف عليها جمعيات اتخذت الدين والأعمال الخيرية يافطة لها.
وشهدت منطقة الساحل الأفريقي خلال السنوات الأخيرة عمليات اختطاف متكررة لرعايا غربيين أغلبهم سياح وعمال في منشآت تديرها شركات متعددة الجنسيات في المنطقة.
ويعد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة التوحيد في غرب أفريقيا وداعش في ليبيا، وكتيبة عقبة بن نافع في تونس من أهم التنظيمات الإرهابية المعنية بعمليات التهريب.
وقد طورت تلك التنظيمات الإرهابية من الأساليب والآليات التي كانت تستخدمها بحثا عن التمويل، منها الاستيلاء على الآبار والمصادر النفطية في المناطق التي تخضع لسيطرتها، وتنفيذ عمليات سطو مسلح على المصارف، وصولا إلى فرض الجزية والابتزاز المالي.
وفي غياب إرادة سياسية واضحة للتصدي لمثل هذه الأعمال، يصعب الحديث عن مقاربة جدية لمواجهة هذه المسألة، لا سيما وأن مجلس الأمن الدولي سبق له أن صادق بالإجماع في 12 فبراير الجاري، على قرار يقضي بتجفيف منابع تمويل التنظيمات الإرهابية.
ورغم ان قرار مجلس الأمن الدولي أصبح "مساهمة واقعية وفعالة في تكثيف الجهود الجماعية الحقيقية لمواجهة خطر الإرهاب وتعزيز الدور المركزي المنسق لمجلس الأمن الدولي"، إلا أن تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية، ستبقى الخطوة الهامة نحو إزالة خطر الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.
ذلك أن "قضية تمويل الإرهابيين تبقى مثالا واضحا على وجود بنية أساسية مشتركة بين التنظيمات الارهابية التي تتمتع بدرجة كبيرة من التعاون والتنسيق فيما بينها ، بالتالي يتعين إدراك هذه العلاقة المريبة التي لم تجد صدى لها في جهات تطبيق القانون والاستخبارات.