عادة ما يتذرع الشاب اليمني الراغب في الهجرة بصعوبة الأوضاع الأمنية، والقيود القبلية والاجتماعية، والأزمات الاقتصادية التي تعصف باليمن، رغم أن اليمنيين، في حقيقة الأمر، هم شعب مهاجر عبر التاريخ، ولا ينافس اليمن في هذا الأمر سوى لبنان من حيث عدد أبنائه المهاجرين نسبة إلى العدد الإجمالي للسكان.
ويواجه اليمن مشكلة عدم عودة المبتعثين، بعد انتهاء دراساتهم. ويقول السفير أحمد حميد عمر، رئيس دائرة القنصلية والمغتربين بوزارة الخارجية اليمنية "هذه معضلة كبيرة وحالة غير طبيعية، فالحكومة اليمنية غالبا ما تتكفل بإرسال عدد كبير من المبتعثين إلى الخارج على نفقة الدولة وتتحمل ملايين الدولارات مقابل تأهيلهم، وبعد سنوات يتخرجون ولا يعود إلا البعض منهم".
ويقول محمد أحمد، شاب يمني يعيش في بريطانيا "جئت إلى سكوتلندا منذ أكثر من 14 عاما للدراسة، وكانت نيتي أن أعود إلى بلدي بعد إكمال دراستي، إلا أن فرص العمل التي لاحت أمامي هنا جعلتني أقرر البقاء، وخصوصا في ظل تدهور الأوضاع في اليمن".
ويضيف "كان منطقيا ألا أعود، لأن الاستقرار ومستوى المعيشة الجيد يتوفر هنا وليس في اليمن، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل معظم الشباب الذين يذهبون للدراسة خارج اليمن يفضلون البقاء بشكل دائم، على الرغم من أننا في شوق للعودة إلى الوطن ولكن في ظروف أفضل".
وتتحدث منن أحمد العريقي، مستشارة تعليمية تعيش في السعودية، عن قضية الفتيات اليمنيات اللواتي يعشن هناك ولا يتم الحديث عن معاناتهن، قائلة "اكتشفت أن نسبة كبيرة من الفتيات اليمنيات اللواتي يعشن في المملكة لم يزرن اليمن أبدا، ولا يعرفن أي شيء عنها، مما أدى إلى ضياع الهوية لديهن، فهن لا يعرفن تاريخ اليمن ولا نشيده الوطني ولا حتى ألوان العلم اليمني".
وتتحدث بأسف شديد عن عجز الفتيات اليمنيات أمام قانون العمل السعودي "لا يسمح للمقيمات اليمنيات بالعمل والمساهمة في المجتمع كعضوات فاعلات، وبالتالي يفقدن شخصياتهن مع مرور الوقت".
ويتحدث طاهر طبيب يمني مقيم في كندا، عن أن الحكومة الكندية توفر مئات الملايين من الدولارات نتيجة استقطابها لكفاءات خارجية في مجالات الطب والهندسة وغيرها، بدلا عن تدريب وتأهيل الكفاءات المحلية، وبالتالي فإن هذا التوجه لدى الحكومة الكندية أتاح لكثير من اليمنيين فرصة الهجرة والعيش هناك ووفر لهم سبل الراحة وإمكانيات التطوير والارتقاء العلمي والعملي.
ولهذا يعتقد عامر، رجل الأعمال البالغ من العمر 28 عاما بأن "هجرة الشباب والكفاءات المؤهلة مشكلة تعاني منها أغلب الدول النامية.
ويضيف "لطالما اشتكت الدول النامية من ممارسات الاستقطاب التي تمارسها الدول الغنية لجلب أفضل الكفاءات وإغرائها بالهجرة إليها، وهي بهذا السلوك تعتدي على أهم مقدرات البلدان الفقيرة".
ويرى أن حل مشكلة الشباب لا يكمن في الهجرة "الهجرة قد تحلّ مشكلة شخصية لفرد، لكنها تساهم في تعقيد مشكلة بلد بأكمله".
وعلى الرغم من تعدد وجهات الشباب اليمني المهاجر، إلا أن السعودية ودول الخليج هي الأكثر جذبا لهم، نظرا للقرب المكاني وسهولة الانتقال وعامل اللغة إضافة إلى وجود الحاضنة من خلال بعض الأقارب المتواجدين سلفا.
وقد تمتزج الغربة بألوان من المحن والآلام يصعب تحملها، وهذا ما حصل للشاب طارق، وهو يمني كان يعمل في السعودية الذي تحدث عن جانب من تلك التجربة، قائلا "عندما غادرت اليمن متجها إلى السعودية كانت آمالي عريضة، توقعت أن الدنيا ابتسمت لي، لكن الواقع كان مريرا، كانت معاملة رب العمل قاسية ومهينة، وكان المقابل المادي لا يتجاوز 800 ريال سعودي".
ويضيف "صحيح أن أوضاع اليمن سيئة من الناحية الاقتصادية، لكنني في السعودية لم أحصل على المال، ولم أحافظ على كرامتي".
ووفقا لعينة عشوائية من المهاجرين اليمنيين فإن وجهات الهجرة المفضلة لدى اليمنيين هي إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا والهند ودول الاتحاد الأوروبي وكندا وأميرك