لسنوات ضللت أنظر الى الصين وروسيا من وجهة نظر واحده, وهي التي يراد لنا أن نبقى عليها بتأثير من وسائل الاعلام الغربية والعربية السائرة في فلكها .
بعد قراءتي لبعض كتب محمد حسنين هيكل عن الصراع العربي الاسرائيلي, عرفت كم كان بعض العرب ناكرين للجميل تجاه الاتحاد السوفيتي السابق, وكم خاب ضن السوفييت فيهم .
دائماً ما تكون مواقف روسيا والصين أقرب الينا والى قضايانا كعرب وكمسلمين أيضاً, ولا أستطيع تخيل العالم بدون هاتين الدولتين, لأن معنى ذلك انفراد كامل لأمريكا والصهيونية وما سيتبع ذلك من بلاء محقق .
روسيا والصين تلعبان اليوم دوراً مهماً في استقرار العالم, ولولا الفيتو الذي تستخدمه الدولتان ضد الكثير من القرارات في مجلس الأمن لكان عدد الصراعات والحروب في العالم أضعاف ما هو موجود اليوم, ولكانت الأمم المتحدة جزء من تلك الحروب لا حكماً فيها ووسيط لإنهائها .
عارضت الدولتان احتلال افغانستان والعراق على اعتبار أن ذلك لن يكون مخرجاً لا لشعوب تلك الدول ولا للأهداف التي ادعتها الولايات المتحدة لشن تلك الحروب, فلا انتهى تنظيم القاعدة في افغانستان ولا وجد العالم في العراق بعد غزوه الأسلحة التي اعلن عنها "كولن باول" وزير الخارجية الامريكي, بل تم استنساخ قاعده خاصة بالعراق واُدخل في فتن طائفية لن يتمكن من لملمة جراحه منها على مدى قرون .
اليوم تحاول الدولتان ايجاد حل سياسي في سوريا ليحفظ الدولة لا النظام, لكن الطرف الآخر يرغب في رؤية سوريا الدولة منهارة تقتلها الطائفية وتمزقها الحرب الداخلية .
دائماً ما تتراجع امريكا عن سياستها في الكثير من الدول مع تغير الادارة فيها, لكن بعد خراب مالطا, فبعد ان تحولت افغانستان الى مدن اشباح, ووصل الانقسام في العراق الى داخل كل اسرة, وتمزق نسيجه الاجتماعي الذي حافظ عليه لعقود, اعلن اوباما الانسحاب من الدولتين على مراحل .
تتكرر المأساة في سوريا, ففيما تحذر روسيا والصين من سقوط الدولة في سوريا وترك شعبها فريسة للجماعات المتطرفة, تصر امريكا على سياستها تجاه ذلك البلد, وبعد الخراب تتراجع الادارة الامريكية التالية وتعلن عن بعض الاخطاء التي وقعت فيها سابقتها وهكذا .
باعتقادي ان تمزيق تلك الدول وادخالها في حروب وفتن داخلية سياسة منهجية للولايات المتحدة وما الاعترافات اللاحقة ببعض الأخطاء الا لذر الرماد في العيون واظهار أمريكا كبلد ديمقراطي تتغير سياسته بتغير ادارته, لكن الواقع عكس ذلك تماماً, فلا يمكن أبداً تبرير حل الجيش العراقي مثلاً بكامله, ذلك القرار كان يعرف ابسط المحللين العسكريين والسياسيين أنه خطأ جسيم بل كارثي, كذلك فان تكرار ادارة اوباما لسيناريوا افغانستان والعراق في سوريا, وان بوسائل أكثر ذكاءً وأقل كلفة, يعتبر دليلاً واضح على ان تقسيم الدول وادخالها في قتن وحروب داخلية سياسة منهجية راسخة في مؤسسات القرار الأمريكية وليست متعلقة بحاكم البيت الأبيض .
السؤال الذي يطرح نفسه : اذا كانت ادارة أوباما هي التي اعلنت مراجعة خطط سابقتها في افغانستان والعراق, لماذا تكرر نفس السيناريو في سوريا وان بوسائل جديدة وأموال عربية هذه المرة ؟ الا يدل ذلك على ان تلك السياسة منهجية ومراجعة الخطط والاعتراف بالأخطاء بعد خراب البصرة منهجية أيضاً لمحو أي أحقاد تجاه أميركا .
الخلاصة من ما سبق أنه يجب علينا كعرب تعميق علاقاتنا بروسيا والصين على اعتبار ان هاتين الدولتين لهما تأثير كبير على السياسة الدولية, وليس لهما أطماع توسعية في منطقتنا, كما أنهما الأكثر قرباً من الناحية الجغرافية بمنطقتنا وبالتالي الأكثر حاجة الى استقرار الأوضاع فيها, والأهم أنهما محايدان في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي ان لم يكونا معنا في الكثير من مراحل هذا الصراع .
albkyty@gmail.com
" نقلاً عن الأولى "