يزخر التراث اليمني بالكثير من الأمثلة الشعبية والأفكار التي تساعد الناس على التكيف مع الأمر الواقع, يستدعي اليمنيين الكثير من تلك الأقوال عند تعرضهم لمواقف معينة, حفاضاً على كبريائهم, حتى وان كان بشكل وهمي.
عندما يُحس رجال القبائل مثلاً أن الدولة جادة في موقفها تجاه قضية ما, تَسمَع عُقال ومَشايِخ القبيلة يُرددون المثل القائل "حَرب القبيلي على الدولة مُحَال" و " لا شَدَت الدولة رَقَدت ", وعندما يحسون بضعف الدولة فأن نفس الأشخاص يحرضون أتباعهم بالقول " دولة حق صميل", ويردد بعضهم المثل القائل " لا ادت الدولة مرق مَدَيت صِرك " بمعنى اذا أعطتك الدولة أي شيء, عليك أخذه في لحظتها, حتى لو كان "مرق", وفي حال أنه لا يوجد لديك وعاء فلا تتأخر الى أن تُحضر الوعاء, وقم بمد حتى "صرك" أي طرف ثوبك, تعبيراً عن عدم ثقتهم في الدولة وانها تتراجع غالباً عن وعودها .
وبمناسبة الدوري الخليجي الأخير لكرة القدم, يمكننا ملاحظة كيف تراجعت طموحات اليمنيين من نتائج مشرفة لمنتخبهم الوطني, الى الاحتفال بلاعب المنتخب الإماراتي من أصول يمنية "عمر عبدالرحمن" وصنعوا منه نصراً عوضهم عن الاحباط الناتج عن الهزائم التي تلقها المنتخب الوطني .
كذلك عند مروري بإحدى نقاط التفتيش المنتشرة هذه الأيام داخل العاصمة صنعاء, تصادف ذلك مع مرور سيارة شاص بدون أرقام, محملة مسلحين " مقعشين " محملين بمختلف أنواع الأسلحة, وبدلاً من أن يقوم الجنود بإيقاف السيارة وأخذ المسلحين, سألهم أحد الجنود " تبع من ", قالوا له " تبع الشيخ .....", فأومأ الجندي بيده للسائق بأن يمر, دون حتى أن يتأكد هل هم تبع الشيخ " زعطان " أم لا .
تصرف الجنود ذاك يتكرر في أغلب النقاط وأصبح السؤال " تبع من " عرفاً سائداً في أغلب النقاط, يُخارج الجنود من الإحراج, مع أن الطرف الآخر لا يثبت بأي وثيقة أنه تبع فلان أو علان ولديه تصريح ببعض الأسلحة والمسلحين, انما من تجربة الجنود التراكمية, ثبت لهم أن اي احتكاك منهم ببعض تلك الأطراف يكلفهم غالياً, ومن ثم لا تقوم الدولة بعدها بأي واجب تجاههم, في نفس الوقت الذي تُعوض فيه من يسقط من الطرف الآخر بملايين الريالات, تلك حيلة اخترعها الجنود لأنفسهم, لتحميهم من اهمال الدولة لهم, مع أن تصرفات بعض نقاط التفتيش السيئة وابتزازهم للمواطن البسيط, يجعلنا حذرين في التعاطف معهم .
أستحضر كذلك نزاعاً حدث قبل عقود في مديرية آنس بين قرية " جبل اسحاق " وقرية " الصيد ", كان الخلاف حول الحدود, وحقوق رعي الأغنام والماشية, وكون تلك الخلافات لا توجد لها حجج أو براهين لدى الطرفين غالباً, فأن من قام بالحكم بينهم (سعد حسين مفتاح البخيتي) أحد أجدادنا, اختصر حُكمه في جملة واحده " الحَد حَد السحاقي, بيده الحَجر والإباحة, ولا يُمنَع الصايدي من الرعاة ", وبذلك فقد ابتكر حلاً وسطاً, يُقتدى به الآن في الكثير من النزاعات الُمشابهة, فمَلك أحد الأطراف المكان المتنازع عليه بحكم تبعيته الجغرافية, وجعل بيده تحديد أوقات الرعي, وفي نفس الوقت لا يحق له منع الطرف الآخر من رعي ماشيته وقت اباحة الرعي .
تعود اليمنيون أن يعيشوا بدون دولة لقرون طويلة - حتى في أيام الجمهورية - لذلك ابتكروا الكثير من الاساليب لحل الخلافات والمنازعات التي لا تخلوا احياناً من الطرافة .
-" نقلاً عن صحيفة الأولى " |